الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية العروشية تضرب مجددا في تونس: براكين «موقوتة» ونعرات قابلة للانفجار.. فمن يخمدها؟

نشر في  08 جوان 2016  (10:53)

في الوقت الذي تمرّ فيه البلاد بعديد الأزمات السياسية والاقتصادية، يطفو شبح العنف القبلي أو «العروشية» مجدّدا على السطح، لنتأكد مع تواتر الاحداث المتعلقة بـ«العروشية» ان هذا المفهوم لم يمح بعد من عقلية التونسي، وأن الانظمة السابقة لم تنجح في القضاء واجتثاث «العروشية» بصفة جذرية.
وبعد الثورة طالعتنا عديد الأحداث التي تنبئ بأن العروشية لم تختف لا مع بورقيبة ولا مع بن علي، وانها باقية وما ان ينفض عنها الغبار حتى تحصد الارواح، وتخلق عديد الأزمات ..
مع العلم وان عديد المتظاهرين خرجوا في السنوات الاخيرة  في مسيرات سلمية احتجاجاً على تنامي النعرات القبلية والعروشية رافعين شعار «تونس جمهورية لا عروشية لا قبلية»، وشعارات أخرى رافضة لتكريس العروشية وتغذيتها.
ونشير الى ان بلادنا عاشت الأسبوع الفارط احداث عنف تمثلت في خلافات عروشية بين متساكني قرية القُلعة وحيّ العبادلة من منطقة دوز، وخلفت هذه الاحداث سقوط قتيلين وعشرات الجرحى من الطرفين اضافة الى تسجيل 11 اصابة في صفوف اعوان الامن بواسطة الرشّ.
ويذكر ان وزارة الداخلية قررت على خلفية هذه الاحداث الدموية  فرض حظر تجول بكامل معتمديّتي دوز الجنوبيّة ودوز الشّماليّة بما فيها بلديّة القُلعة من الساعة الثامنة ليلا الى غاية الساعة الخامسة صباحا، واستثنت في ذلك الحالات الصحية وأصحاب العمل الليلي.
مع العلم ان والي قبلي هاشم الحميدي، أكد في اخر تصريح له أن قرار حظر التجول المُعلن عنه في معتمدية  دوز سيبقى ساري المفعول كامل شهر رمضان ..

اصل الحكاية

 انطلقت المناوشات وحرب العروشية على خلفية تعرض احد أهالي منطقة القلعة لحادث مرور بطريق مطماطة جنوبي مدينة دوز اندلعت على اثره مشادات كلامية بين شباب المنطقتين أي القلعة والعبادلة من دوز الشمالية، وتصاعدت المشادات لتصل الى التراشق بالحجارة واستعمال بنادق الصيد مما دفع الوحدات الأمنية الى استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريقهم ومنع تصاعد حدة المناوشات، وعلى اثر تلك الاشتباكات توفي شاب يدعى احمد بالطيب عمره 17 سنة متأثرا بجراحه فيما بعد.
وعلى اثر حادثة الوفاة تجددت المواجهات بين منطقتي القُلعة والعبادلة من معتمديّة دوز الشّماليّة ولاية قبلّي، تمثّلت في تبادل العنف بين الطّرفين بإستعمال بنادق الصّيد وإضرام النّار في أشجار النّخيل وقطع الطّريق العامّ.
كما إمتدّت أحداث الشّغب لمعتمديّة دوز الجنوبيّة نتيجة خلافات بين أهالي المنطقتين، ممّا إضطرّ الوحدات الأمنيّة إلى التّدخّل بتفريقهم بإستعمال الغاز المسيل للدّموع. وأسفرت أعمال الشّغب عن وفاة شابّ ثان متأثّرا بإصابته ببندقيّة صيد.

تلاميذ الباكالوريا ضحية..

وعلى خلفية هذه الاحداث نشير الى ان المندوبية الجهوية للتربية في ولاية قبلي وبالتنسيق مع السطات الجهوية  قامت بوضع خطة «ب» تحسبا لأي طارئ ومن أجل مواصلة مناظرة البكالوريا في أحسن الظروف، خاصة أن عددا من تلاميذ القلعة يجتازون الاختبارات في دوز،  مع العلم ان 19 تلميذا من القلعة لم يتحولوا بداية هذا الاسبوع إلى مركز الاختبار بالمعهد الثانوي في دوز واجتازوا الامتحانات في المعهد الثانوي بالقلعة.
ويأتي قرار المندوبية الجهوية للتربية بقبلي بفصل تلاميذ الباكالوريا أصيلي منطقة القلعة عن تلاميذ الباكلوريا أصيلي منطقة دوز تفاديا لأي مناوشات محتملة بينهم ولضمان حسن سير إجراء الاختبارات.

العروشية تطفو على السطح

احداث مأساوية عاشتها ولاية قبلي، تدفعنا الى دق نواقيس الخطر والتأكيد على ضرورة التصدي الى مثل هذه الافات الاجتماعية..  
 ويذكر ان بلادنا ونخص بالذكر الجنوب التونسي عاش عديد الحوادث المرتبطة بالعروشية منذ اندلاع الثورة فاحداث العنف  التي شهدتها قبلي ليست سابقة أولى، فعديدة هي الأزمات التي مرت بها تونس وغذّاها منطق العروشية، ولعل العروشية انتشرت بشكل كبير سنة 2011 حيث نتذكر الاحداث الدموية التي انجرت عن الخلافات العروشية بين السند والمتلوي والتي راح ضحيتها 16 قتيلا و130 جريجا، وفي نفس السنة وبالسند ايضا اصيب اكثر من 30 شخصا وصدرت احكام بالسجن تراوحت بين 15 و20 سنة على خلفية شجار بالمعهد الثانوي بين تلاميذ عليم والسند. وفي ماي 2011 سقط 13 قتيلا وجرح اكثر من 100 شخص في احداث العروشية بين الجريدية واولاد بو يحيي بالمتلوي، وهنا نشير الى أنّ جهة المتلوي عاشت مسلسل العروشية في اكثر من مناسبة بعد الثورة حيث سبق ان تمت مداهمة عرش أولاد سلامة من طرف عرش أولاد بو يحيى وخلفت الحادثة سقوط قتيل وما يزيد عن خمسين جريحا بعد تبادل الطلق الناري بين «العرشين»
وتكررت الإعتداءات بمدينة المظيلة بين عرشي أولاد يحيى وأولاد معمر حيث وقع استعمال الأسلحة النارية والحرق واقتحام المحلات والسرقة.
وفي سنة 2015 عاشت منطقتا جمنة والڤلعة بڤبلي على وقع خلافات عروشية انتهت بحرق مركز الامن واصابة ما لا يقل عن 30 شخصا.
 كما عشنا احداث عروشية سنة  2015 بين منطقة المساترية وجبنيانة أسفرت عن اصابة اكثر من 100 شخص.
والعروشية ليست مقتصرة على اهالي الجنوب فقط حيث تعيش عديد المناطق بالعاصمة ايضا احداث عنف يغذيها منطق العروشية، على غرار ما عاشته منطقة الملاسين من احداث عنف بين حيين اسفرت عن اصابة شاب بطعنة سكين.
أحداث الأمس بالمتلوي وقبلها بالمظيلة والسند والعليم وجمنة والقلعة والعامرة والمساترية، وسبيطلة، واليوم في قبلي،وهو ما يجعلنا نجزم بكون العروشية لم تضمحلّ بل خمدت طيلة عقود، وهاهو الوضع العام للبلاد اليوم ينفض عنها الغبار ليظل السؤال هو كيف يمكن التصدي لمنطق العروشية الذي يؤدي الى أحداث عنف قد تنطلق وتتسبب في سقوط ارواح بشرية من اجل نزاع على قطعة ارض او بعض الشتائم بين طرفين لتتحول الى اسلحة بيضاء وبنادق صيد وسقوط ارواح بشرية .

علم الاجتماع يشرح أسباب  عودة العروشية

ويفسر علماء الاجتماع عودة العروشية مجددا الى السطح بأنّ الفراغ السياسي، وتراجع قوة الدولة وهيبتها ساهما في بروز الخصوصيات المحلية، كما يفسر علماء الاجتماع العروشية بكون مفهوم المواطنة في تونس بقي سطحيا ولم يتحول إلى قناعة وطنية مشتركة وهو ما يجعل الأفراد يرتدّون في مرحلة الأزمات إلى الهياكل البدائية...
ختاما نشير الى أن العروشية تعد من اخطر الظواهر التي قد تهدد تماسك المجتمع ووحدته، لذلك من الضروري اليوم البحث عن الاسباب التي قد تغذي هذه الظاهرة والقضاء عليها، خاصة من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، كما انه من الضروري التصدي لعمليات التحريض وإثارة هذه النعرات التي يحدث أن تنتهي بسقوط قتلى.

ملف من إعداد: سناء الماجري